mardi 29 septembre 2009

أبدال

هناك أشياء أريد أن أقولها لك. سأنتهي من العمل الساعة الواحدة والنصف وأكون عندك في الثانية.

أضع سماعة التليفون وأتمدد على السرير. أنظر إلى الكنبة ولا أفعل شيئا سوى التحديق في أرقام الساعة الحمراء التي ترفض أن تتغير مهما اشتدت حدة نظري. عبد الوهاب يلفظ اسمه «أبدال» ككل أبناء فرنسا المغاربة الأصل، لا ينكر عروبته التي لا تكاد تظهر إلا في ملامحه وعبادة كسكسي أمه، ولا يعتز بها كذلك، كما لا ينكر فرنسيته الجلية في انتقائه الدقيق لكل كلمة تخرج من فمه، ولا داعي له للاعتزاز بهوية يتولى آخرون، إراديا أو اعتراضيا، مهمة سلبه منها.

عبد الوهاب لا يحبني كثيرا. يضايقه فيّ نكهة الطبقة المتوسطة الميسورة التي تفوح من كياني، يمقت تصرفاتي البيجماليونية المتغطرسة التي تصدر مني سهوا مهما حاولت كبحها، تزعجه محاولاتي تعريبه إذ تقترن عنده العروبة بتجربة الحرمان التي لم أعرفها. أعجبته أم كلثوم واعتاد أن يدير شريط «الحب كله» عندما نتمازج على السرير، يفهم بعض كلماتها وشرحت له الباقي، ضحك لسذاجتها. عبد الوهاب لم يقل لي «أحبك» ونبهني إلى أنه لن يقولها.

سكرت منذ يومين. دعوته على العشاء في مطعم، تكلمت بصوت عال وقلت ما لا أريد أن أتذكره. دفعت الحساب، مستهزئا بقلة كرمه وأحرجته عمدا. أعرف الآن أنه سيتركني. لن يغنّي لي أنه ليس لعبة بين يدي ثم يعود إلي. عبد الوهاب لا يؤمن بكلمات الأغاني المصرية. إن ظننته لعبتي، فسيكسرها ويكسرني معها.

أحدق في الكنبة . أراه، منذ ثلاثة أشهر، عاريا مستلقيا عليها، يشرب كأس شامبانيا. كنت أضحك عليه إذ بدا كاريكاتورا للانحطاط البورجوازي، لم يضحك هو، لعله لم يسبق له أن ذاق الانحطاط. قلت له إني أحبه. لعلي لم أحب سوى ما يمثله. أحيك نسيجا من الأعذار والاعتذارات سأقدمه له جاثيا عند قدومه. لن يروقه جثوي، ينفّره امتثالي له، وأنا واقع في ذلة كلثومية تزداد دمسا يوما بعد يوم. لا أستطيع انتظاره هنا، في البيت، أهرول إلى موقف الأوتوبيس حتى أتلقفه عند نزوله وأعوذ من حتمية القطيعة. تمر حافلتان ليس عبد الوهاب في عداد ركابهما، أجلس جاثما على دكة الموقف، أتمتم دعوات لن يستجيب لها آلهة لم أهتم طوال حياتي بتعلم سبل الاتصال بهم. الجلوس لا يطاق والقيام يؤرقني. أعود إلى البيت، أنتظره متمددا على السرير.

عند وصوله، لا أكاد أغلق الباب وراءه حتى أعود أدراجي إلى السرير، كأن حيطاناً غير مرئية تحول دون اجتياحات الواقع.
- لست هذا الذي تبحث عنه. لا أستطيع أن أهبك ما تريده مني، أعطيت كل ما لدي. لست قادرا على إسعادك. أعجبني ما عرفتني عليه، وسأفتقده دون شك. دعنا أصدقاء.
مهارته في اختيار الألفاظ المناسبة لم تخذله، تبدو كل الكليشيهات صادقة بل نبيلة. أحتج احتجاجا ضعيفا، أساوم كل بند من بنود اتفاق لن يبرم. يردّ إليّ مفاتيحي إذ سيأتي المرة المقبلة ضيفا، هكذا يقول. يمضي ولا أراه أبدا.
ثم أعكف أبحث له عن أبدال.


Aucun commentaire: